كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



56- ثم قال تعالى: {ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام} قال مجاهد أهل الحرم وقال الحسن وإبراهيم والأعرج ونافع هم أهل مكة خاصة وقال عطاء مكحول هم أهل المواقيت ومن بعدهم إلى مكة قال أبو جعفر وقول الحسن ومن معه أولى لأن الحاضر للشئ هو الذي معه وليس كذا أهل المواقيت وأهل منى وكلام العرب لأهل مكة أن يقولوا هم أهل المسجد الحرام قال أبو جعفر فتبين أن معنى حاضري المسجد لأهل مكة ومن يليهم ممن بينه وبين مكة مالا تقصر فيه الصلاة لأن الحاضر للشئ هو الشاهد له ولنفسه وإنما يكون المسافر مسافرا لشخوصه صلى الله عليه وسلم إلى ما يقصر فيه وإن لم يكن كذلك لم يستحق اسم غائب.
57- وقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال اخبرنا حجاج بن محمد قال ابن جريج قلت لنافع مولى ابن عمر أسمعت ابن عمر سمى أشهر الحج قال نعم سمى شوالا وذا القعدة وذا الحجة وقال ابن عباس شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وقال أبو جعفر والقولان يرجعان إلى شيء واحد لأن ابن عمر إنما سمى ذا الحجة لأن فيه الحج وهو شهر حج.
58- ثم قال تعالى: {فمن فرض فيهن الحج} قال ابن مسعود وابن عمر فرض لبى وعن ابن عباس أحرم وقيل معنى أحرم أوجب على نفسه الأحرام بالعزم وإن لم يلب قال أبو جعفر وحقيقته في اللغة أن فرض أوجب والمعنى أوجب فيهن الحج بالتلبية أو بالنية واحتمل أن يكون معناه أوجب على نفسه الحج بالتلبية فيهن فتكون التلبية والحج جميعا فيهن واحتمل أن يكون المعنى من وأوجب عل نفسه الحج فيهن بالتلبية في غيرهن إلا أن محمد بن جعفر ألا نباري حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يحي قال اخبرنا حجاج بن محمد قال جريج أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج ألا في أشهر الحج من أجل قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج} فلا ينبغي لأحد أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض.
59- ثم قال تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} روى سفيان بن حصيف عن مقسم عن ابن عباس قال الرفث الجماع والفسوق السباب والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه وكذا قال ابن عمر وروى طاووس عن ابن عباس وابن الزبير الرفث التعريض أي يقول لو كنا حلالين لكان كذا وكذا وقال عطاء وقتاده الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال أن يماري بعضهم بعضا حتى يغضبه.
وروى أبو يحي عن مجاهد في الجدال كما قال عطاء وروى عنه أبن أبي نجيج لا جدال ولاشك فيه وهو مذهب أبي عمرو بن العلاء وعلى ذلك قرأ برفع رفث وفسوق وفتح جدال وهذه الأقوال متقاربة لأن التعريض بالنكاح من سببه والرفث أصله الإفحاش ثم يكنى به الجماع ويبين لك أنه يقع للجماع قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} والفسوق في اللغة الخروج عن الشيء فسباب إذا المسلم خروج عن طاعة الله وقد روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسق وقتاله كفر.
وقيل قول عطاء وقتاده الفسوق المعاصي حسن جدا على أنه قد روى عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر قال الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم أي من صيد وغيره فهذا قول جامع لأن سباب المسلم داخل في المعاصي وكذلك الأشياء التي منع منها المحرم وحده التي منع المحرم والحلال ومعنى قول مجاهد لاشك فيه أنه في ذي الحجة النسأة أن النساة كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة ويقف بعضهم بجمع وبعضهم بعرفة ويتمارون في الصواب من ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن الحج في ذي الحجة» وقال أبو زيد قال أبو عمرو أراد فلا يكونن رفث ولا فسوق في شيء يخرج من الحج ثم ابتدأ النفي فقال ولا جدال في الحج فاخبر أن الأول نهى.
60- ثم قال تعالى: {وتزودوا فان خير الزاد التقوى} روى سفيان عن عمرو عن عكرمة قال كان اناس يقدمون مكة في الحج بغير زاد فأمروا بالزاد وقال مجاهد كان أهل اليمن يقولون لا تتزودوا فتتوصلون فقال من الناس فأمروا أن يتزودوا. وقال قتاده نحو منه.
61- ثم قال تعالى: {فان خير الزاد التقوى} أي فمن التقوى أن لا يتعرض الرجل لما يحرم عليه من المسألة.
62- ثم قال تعالى: {واتقون يا أولي الألباب} أي العقول ولب كل شيء خالصه.
63- ثم قال تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا الرمادي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا سفيان ابن عمر بن دينار قال قال ابن عباس كان ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية فلما كان الإسلام كرهوا ذلك حتى نزلت: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} في مواسم الحج.
64- ثم قال تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات} أي اندفعتم ويقال فاض الإناء إذا امتلأ ينصب من نواحيه ورجل فياض أي يتدفق بالعطاء قال زهير:
وأبيض فياض يداه غمامة ** على معتفيه ما تغب نوافله

وحديث مستعيض أي متتابع.
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس قال إنما سميت عرفات لأن جبريل كان يقول لإبراهيم عليهما السلام هذا موضع كذا فيقول عرفت وقد عرفت فلذلك سميت عرفات وقال الحسن وسعيد بن جبير وعطاء ونعيم بن أبى هند نحوا منه وقال ابن المسيب قال علي بن أبى طالب رضي الله عنه بعث الله جبريل إلى إبراهيم صلى الله عليهما حتى إذا أتى عرفات قال عرفت وكان قد أتاها من قبل ذلك ولذلك سميت عرفة.
65- ثم قال تعالى: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} قال ابن عباس وسعيد بن جبير ما بيت الجبلين مشعر.
قال قتاده هي جمع قال وإنما سميت جمعا لأنه يجمع فيها بيت صلاة المغرب والعشاء.
قال أبو إسحاق المعنى واذكروا بتوحيده والمعنى الثناء عليه وإن كنتم من قبله أي من قبل هدايته.
66- وقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قالت عائشة وابن عباس كانت العرب تقف بعرفات فتتعظم أي قريش أن تقف معها فتقف قريش بالمزدلفة فأمرهم الله أن يفيضوا من عرفات مع الناس وقال الضحاك الناس إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر والأول أولى.
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه قال خرجت في طلب بعير لي بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بعرفة مع الناس قبل أن يبعث فقلت والله أن هذا من الحمس فما شأنه واقفا هاهنا قال أبو جعفر الحمس الذين شددوا في دينهم والحماسة الشدة ويقال ثم في اللغة تدل على الثاني بعد الأول وبنيهما مهلة وقد قال الله تعالى بعد فاذكروا الله عند المعشر الحرام ثم أفيضوا من حيث افاض الناس وإنما الإفاضه من عرفات قبل المجئ إلى المعشر الحرام.
وفي هذا جوابان أحدهما أن ثم بمعنى الواو.
والجواب الثاني وهو المختار أن ثم على بابها والمعنى ثم أمرتم بالإضافة من عرفات من حيث افاض الناس وفي هذا معنى التوكيد لأنهم أمروا بالذكر عند المعشر الحرام وأفاضوا من عرفات ثم وكدت عليهم الإفاضة من حيث افاض الناس لا من حيث كانت قريش تفيض وقال تعالى: {ثم آتينا موسى الكتاب} ويقال فلان كريم ثم أنه يتفقدنا ثنا وفلان يقاتل الناس ثم أنه ردئ في نفسه أي ثم أزيدك في خبره وفي الآية قول آخر حسن على قول الضحاك الناس إبراهيم عليه السلام فيكون المعنى من حيث أفاض إبراهيم الخليل وهو المشعر الحرام.
ويكون هذا مثل الذين قال لهم الناس وذلك نعيم بن مسعود ألا شجعي به وقد روي عنه أنه قال ثم أفيضوا من حيث افاض الناسي يعني آدم وهذه قراءة شاذة.
67- ثم قال تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم} قال مجاهد إراقة الدماء.
68- ثم قال تعالى: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا} روى أبو مالك وأبو صالح عن ابن عباس كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى فيقوم الرجال فيسأل الله فيقول: اللهم إن أبى كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال فاعطني مثل ما أعطيته أي ليس يذكر الله تعالى إنما يذكر أباه ثم يسأل أن يعطى في الدنيا.
69- وقوله جل وعز: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق} قال ابن عباس الخلاق النصيب والمؤمنون يقولون ربنا أتنا في الدنيا حسنه قال المال وفي الآخرة حسنه فال الجنة.
وقال هشام عن الحسن آتتا في الدنيا حسنه قال العلم والعبادة وفي الآخرة حسنه قال الجنة وروى معمر عن قتاده قال في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد إلى أن الحسنة والنعمة من الله ثم قال تعالى: {وقنا} أي اصرف عنا يقال منه وقيته كذا أقيه وقاية ووقاية ووفاء وقد يقال وقاك الله وقيا.
70- ثم قال تعالى: {والله سريع الحساب} أي أعلم ما للمحاسب وما عليه قبل توقيفه على حسابه وهو يحاسبه بغير تذكر ولا روية وليس الآدمي كذلك.
71- ثم قال تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} أي بالتوحيد والتعظيم في أيام معدودات أي محصيات أمروا بالتكبير أدبار الصلوات وعند الرمي مع كل حصاة من حصى الجمار وروى سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن الديلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام منى ثلاثة أيام أيام التشريق فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه وروى نافع عن ابن عمر الأيام المعلومات والمعدودات جمعيهن هذا أربعة أيام فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده والمعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا أثم على ومن تأخر فلا آثم عليه وروي عن عبدا لله بن مسعود وابن عمر وابن عباس فلا إثم عليه مغفور له وقال عطاء وإبراهيم ومجاهد وقتاده فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه في تعجيله ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخيره.
72- ثم قال تعالى: {لمن اتقى} قال عبد الله بن عمر أبيح ذا لتعجيل من اتقى فالتقدير على هذا الإباحة لمن أتقى وقال ابن مسعود إنها مغفرة للذنوب لمن اتقى في حجة قال أبو جعفر وهذا القول مثل قوله الأول وأما قول إبراهيم ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخيره فتأويل بعيد لأن المتأخر قد بلغ الغاية ولا يقال لا حرج عليه وقد قيل يجوز أن يقال لا حرج عليه لأن رخص الله يحسن الأخذ بها فأعلم الله تبارك وتعالى أنه لا أثم عليه في تركه الأخذ بالرخص.
ويدل على صحة قول ابن مسعود حديث شعبة عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه والمعنى على هذا من حج فاتقى في حجه ما ينقصه فلا إثم عليه من الذنوب الخالية أي قد كفر الحج عنه والتقدير تكفير الإثم لمن اتقى حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان الثوري عن سمي عن أبى صالح عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء ألا الجنة قال أبو جعفر وقول أبى العالية لا أثم عليه ذهب إثمه كله أن اتقى الله فيما بقي أي من عمره.
73- وقوله تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} قال ابن عباس: علانيته {ويشهد الله} في الخصومة أن ما يريد الحق ولا يطلب الظلم {وهو ألد الخصام} ظالم وقال محمد بن كعب هم المنافقون.
وقرأ ابن محيصن {ويشهد الله} بفتح الياء الهاء والرفع ومعناه يعلم الله.
74- ثم قال تعالى: {وهو ألد الخصام} قال مجاهد أي ظالم لا يستقيم وقال قتاده شديد جدل بالباطل والألد في اللغة الشديد الخصومة مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق أي في أي جانب أخذ من الخصومة غلب كما قال الشاعر:
أن تحت الأحجار حزما وجودا ** وخصيما ألد ذا مغلاق

ويروى معلاق ويقال هو من لديدي الوادي أي جانبيه.
فصاحب هذه الصفه يأخذ من جانب ويدع الاستقامة واللدود في أحد الشقين وقال أبو إسحاق الخصام جمع خصم.
75- ثم قال تعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل} أي إذا فارقك أسرع في فساد الحرث والنسل وروى أبو مالك عن ابن عباس نزلت في ألا خنس بن شريق خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر وروى أبو إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال الحرث حرث الناس والنسل نسل كل دابة.
قال قتاده الحرث الزرع والنسل نسل كل شيء وحدثنا محمد بن شعيب قال أخبرني أحمد بن سعيد قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبى عن علي بن الحكم عن الضحاك أما قوله ويهلك الحرث والنسل فالناس وكل دابة وأما الحرث فهي الجنان والأصل النابت قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة المعاني والمعنى يحرق ويخرب ويقتل.
76- ثم قال تعالى: {وإذا قيل له اتق الله آخذته العزة بالآثم} حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبى إسحاق عن سعيد بن وهب قال قال عبد الله كفى بالرجل أثما أن يقول له أخوه لتق ثم الله فيقول عليك نفسك أأنت تأمرني.
77- وقوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} أي يبيع ومعنى يبيع نفسه يبذلها في سبيل الله قال سعيد بن المسيب أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته فانتثر ما في كنانته واخذ قوسه ثم قال يا معشر قريش لقد علمتم أنى من ارماكم رجلا وايم الله لا تصلون آلي حتى ارمي بما في كنانتي ثم اضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم فقالوا دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك وعاهدوه ففعل فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال أبا يحي ربح البيع فانزل الله ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله.
وقال قتاده هم المهاجرون والأنصار.
78- وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} قال مجاهد يعني الإسلام وروى أبو مالك عن ابن عباس قال يقول في الإسلام جميعا قال أبو جعفر وأصل السلم الصلح والمسالمة فيجوز أن يكون المعنى اثبتوا على الإسلام ويجوز أن يكون المعنى لمن آمن بلسانه.
وقد روي أن قوما من اليهود أسلموا وأقاموا على تحريم السبت فأمرهم الله أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام.
79- ثم قال تعالى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} قال الضحاك هي الخطايا التي يأمر بها قال أبو إسحاق أي لاتقفوا رسول آثاره لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع الشيطان.
80- ثم قال تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات} أي تنحيتم عن القصد {فاعلموا أن الله عزيز} لا تعجزونه ولا يعجزه شيء حكيم فيما فطركم عليه وشرع لكم من دينه.
81- ثم قال تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} قال مجاهد: أن الله يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام وقيل هل ينظرون إلا أن يأتيهم اله بما وعد هم من الحسنات والعذاب فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا أي بخذلانه إياهم وهذا قول أبى إسحاق وقال الأخفش سعيد أن يأتيهم الله يعني آمره لأن الله تعالى لا يزول كما تقول خشينا أن تأتينا بنو أمية وإنما تعني حكمهم.
وقضي الأمر أي فرغ لهم ما كانوا يوعدون.
82- ثم قال تعالى: {والى الله ترجع الأمور} وهي راجعة إليه في كل وقت قال قطرب المعنى أن المسالة عن الأعمال والثواب فيها والعقاب يرجع إليه يوم القيامة لأنهم اليوم غير مسئولين عنها وقال غيره وقد كانت في الدنيا أمور إلى قوم يجورون فيها فيأخذون ما ليس لهم فيرجع ذلك كله إلى الله يحكم فيه بالحق وبعده وقضي بالحق أي فصل القضاء بالعدل بين الخلق.
83- ثم قال تعالى: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة} أي في تصحيح أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد ما ذكر منها في القرآن وما لم يذكر قال وهم يهود.
84- ثم قال تعالى: {ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته} قال مجاهد أي يفكر بها وقيل لهم هذا لأنهم بدلوا ما في كتبهم.
85- ثم قال تعالى: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا} قال أبو إسحاق أي زينها لهم إبليس لأن الله قد زهد فيها واعلم إنها متاع الغرور وقيل معناه أن الله خلق الأشياء المعجبة ولا فنظر إليها الذين كفروا بأكثر من مقدورها.
86- ثم قال عز وجل: {ويسخرون من الذين آمنوا} قال أي في ذات اليد قال ابن جريح سخر ون منهم في طلب الآخرة قال قتاده فوقهم أي الجنة.
87- ثم قال تعالى: {والله يرزق من يشاء بغير حساب} ليس يرزق المؤمن على قدر أيمانه ولا يرزق الكافر على قدر كفره.
أي ليس يحاسب في الرزق في الدنيا على قدر العمل وقال قطرب المعنى والله أعلم أنه يعطي العباد من الشيء المقسوم لا من عدد أكثر منه اخذه منه كالمعطي من الآدميين الألف من الألفين قال ووجه آخر أن من انفق سيئا لا يؤاخذ به كان ذلك بغير حساب.
88- وقوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة} قال مجاهد آدم امة واحدة وروى سعيد بن جبير عن قتادة قال يقول كانوا على شريعة من الحق كلهم.
ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم يعمل بطاعة الله على الهدى وعلى شريعة الحق ثم اختلفوا بعد ذلك.
فبعث الله نوحا قال أبو جعفر أمة من قولهم أممت كذا أي قصدته فمعنى امة أن مقصدهم واحد ويقال للمنفرد أمة أي مقصده غير مقصد الناس اللأمة القامة كأنها مقصد سائر البدن اللأمة بالكسر النعمة لأن الناس يقصدون قصدها وقيل إمام لأن الناس يقصدون قصد ما يفعل.
89- ثم قال تعالى: {وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} أي يفصل الكتاب بالحكم.
وقرأ الجحدري ليحكم بضم الياء وفتح الكاف وقال الفرزدق:
ضربت عليك العنكبوت بنسجها ** وقضى عليك به الكتاب المنزل

90- ثم قال تعالى: {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه} أي وما اختلف في الكتاب إلا الذين أعطوه قال أبو إسحاق أي وما اختلف في حقيقة أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا الذين أعطوا علم حقيقته عليه الصلاة والسلام.
بغيا بينهم أي للبغي أي لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي.
91- وقوله جل وعز: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} وروى أبو مالك عن ابن عباس اختلف الكفار فيه فهدى الله الذين آمنوا للحق من ذلك وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخول الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى وفي بعض الحديث هدانا الله ليوم الجمعة.
وقال زيد بن أسلم اختلفوا فاتخذت اليهود السبت والنصارى الأحد فهدى الله أمة محمد للجمعة واختلفوا في القبلة واختلفوا في الصلاة والصيام فمنهم من يصوم عن بعض الطعام ومنهم من يصوم بعض النهار واختلفوا في إبراهيم فهدى الله امة محمد للحق من ذلك قال أبو زيد واختلفوا في عيسى فجعلته اليهود لفرية وجعلته النصارى ربا فهدى الله المؤمنين قال أبو إسحاق بأذنه أي بعلمه.
92- ثم قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} أم هاهنا للخروج من حديث إلى حديث.
93- ثم قال تعالى: {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم} حكى النضر بن شميل أن مثل يكون بمعنى صفه ويجوز أن يكون المعنى ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين من قبلكم وخلوا أي مضوا مستهم البأساء والضراء أي الفقر والمرض وزلزلوا خوفوا وحركوا بما يؤذي قال أبو إسحاق اصل الزلزلة من زل الشيء عن مكانه فإذا قلت زلزلته فمعناه كررت زلزلته من مكانه.
94- ثم قال تعالى: {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله} أي بلع يبلغ الجهد بهم حتى استبطاوا لم النصر.
وقال تعالى: {ألا إن نصر الله قريب} أي هو ناصر أوليائه لا محالة.
95- ثم قال تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون} أي يتصدقون ويعطون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل قيل كانوا سألوا على من ينبغي أن يفضلوا فقيل أولى من أفضل عليه هؤلاء.
96- ثم قال تعالى: {وما تفعلوا من خير فان الله به عليم} أي يحصيه وإذا أحصاه جازى عليه.
97- ثم قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم} أكثر أهل التفسير على أن الجهاد فرض وإن المعنى فرض عليكم القتال إلا أن بعضهم يكفي من بعض قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله} قال أبو طلحة في قوله تعالى: {انفروا خفافا وثقالا} ما سمعت الله عذر أحدا إلا أن سفيان الثوري قال الجهاد تطوع ومعنى كتب عليكم القتال على تفضيله ثم قال وهو كره لكم قال أبو إسحاق التأويل وهو ذو كره لكم وكرهت الشيء كرها وكرها وكراهة وكراهية وقال الكسائي كأن الكره من نفسك والكره بالفتح ما أكرهت عليه وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم أي إن قتل كان شهيد وإن قتل أثيب وغنم وهدم أمر الكفر واستدعى بالقتال دخول من يقاتله في الاسلام وعسى أن تحبوا شيئا القعود عن القتال.
98- ثم قال تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} روى سعيد عن قتاده قال فكان القتال فيه كبيرا كما قال تعالى ثم نسخ في براءة: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} روى أبو السيار عن حندب بن عبدا لله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عب الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال لا تكرهن أصحابك على المسير فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال سمعا وطاعة لله ورسوله قال فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب فقال المشركون قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام الآية وقيل أن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله تعالى أن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله إلى آخر الآية قال مجاهد قل قتال فيه كبير أي عظيم وتم الكلام ثم ابتداء فقال وصد عن سبيل الله وكفر به أي باله والمسجد الحرام أي وصد عن المسجد الحرام واخرج أهله منه يعني المسجد الحرام أكبر عند الله من القتل في الشهر الحرام والفتنة أكبر من القتل قال الشعبي أي الكفر والمعنى أفعالكم هذه كفر والكفر أكبر من القتل في الشهر الحرام.
99- ثم قال تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم أن استطاعوا} قال مجاهد يعني كفار قريش وقوله تعالى: {أولئك يرجون رحمة الله} ومعنى {يرجون رحمة الله} وقد مدحهم أنهم لا يدرون ما يختم لهم به.
100- وقوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس}.
روى علي بن أبى طلحة عن ابن عباس يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس ثم انزل لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فكانوا يدعونها فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر فإذا صلوا الغداة شربوها فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر ثم أن ناسا شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي الله فأنزل الله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه فحرم الله الخمر ونهى عنها وأمر باجتنابها كما أمر باجتناب الأوثان وروى أبو توبة عن ابن عمر أنزلت إنما الخمر إلى قوله فهل انتم منتهون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت.
وقال عمرو بن شرحبيل فقال عمر انتهينا فأنها تذهب المال والعقل وأهل التفسير يذهبون إلى أن المحرم لها هذا وقال بعض الفقهاء المحرم لها آيتان احداهما قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم قال أبو إسحاق الخمر هذه المجمع عليها وقياس كل ما تحمل عملها أن يقال له خمر وأن يكون بمنزلتها في التحريم لان إجماع العلماء أن القمار كله حرام وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة وكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها وتأويل الخمر في اللغة أنه ما ستر على العقل يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر وما ستر من شجر خاصة الضرا مقصور ودخل في خمار الناس أي الكثير الذي يستتر فيه وخمار المرأة قناعها لأنه يغطي الرأس والخمرة التي سجد عليها لأنها تستر الوجه عن الأرض وكل مسكر خمر لأنه يخالط العقل ويغطيه وفلان مخمور من كل مسكر.
قال سعيد بن جبير ومجاهد الميسر القمار كله فأما الإثم الذي في الخمر فالعداوة والبغضاء وتحول بين الإنسان وبين عقله الذي يميز به ويعرف به ما يجب لخالقه والقمار يورث العداوة لأن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يأخذه عليه والمنافع لذة الخمر والربح فيها ومصير الشيء إلى الإنسان في القمار بغير كد وقال الضحاك منافعهما قبل التحريم وأثمهما حدثنا بعد التحريم.